الفنانة التشكيلية العراقية صبا حمزة
استمدت الفنانة التشكيلية العراقية صبا حمزة في بناء معظم لوحاتها من الطبيعة الخلابة للأرض وألوانها الزاهية بتصحرها وربيعها، وأن عشقها للأرض وألوانها منح لوحاتها بهاءً وجمالاً، وتهتم دائما بتقديم وتوضيح أسلوبها للمتلقي والتعريف عن ماهية تجربتها الفنية التي يعتبرها الكثير من المهتمين بالحركة التشكيلية حالة فنية رائعة ومتنامية ضمن الذائقة البصرية العراقية والعربية.
والمتابع لأعمالها خاصة في معرضها الشخصي الرابع "حكايات ملونة" الذي أقيم في الجمعية القطرية للفنون التشكيلة، يشاهد وبوضوح مدى فهمها الواسع للفن ومدى قدرتها على تناول الأساليب ذات التكنيك الجديد المتمكن من صناعة اللوحة الحديثة والسيطرة على التوازن والانسجام العالي بين العناصر اللونية، والفنانة صبا حمزة هي عضو في نقابة الفنانين العراقيين وعضو في الجمعية القطرية للفنون التشكيلية..
لقد درست الفن وتخرجت من كلية الفنون الجميلة في بغداد وعملت مدرسة في قسم الفنون المسرحية في معهد الفنون الجميلة ببغداد، وتعمل حاليا مصمم أول غرافيك في قناة الجزيرة الفضائية في الدوحة ولها اهتمامات واسعة في المسرح، وأن حبها للمسرح وفضائاته الواسعة منحها ملكة ثقافية أضافت لها خزيناً بصرياً وذاكرة فنية إضافية منحت فرشاتها أداء فني يحمل مزيجاً ثقافياً رائعاً..
ورغم كل هذا الحب والتعلق بالمسرح إلا أن عالم الخيال والروح واللون عالم الرسم استطاع أن يصطاد الفنانة صبا حمزة حتى لقيت نفسها بين القماش والفرشاة، حيث استطاعت أن تعبر عن ذاتها وهويتها وهي مستمرة في طرح أسلوبها الفني المتمثل في صناعة لوحة حديثة معاصرة تعتمد على المساحات اللونية الحيوية ولاسيما وألوان الأرض التي تناولتها بروحية مختلفة، واستطاعت بأسلوبها هذا أن تخرج برؤية بصرية ناجحة وأن تصنع منجزاً فنياً أكثر ملائمة وأقرب فهما للمتلقي..تعالوا معي لنقترب أكثر من الفنانة التشكيلية العراقية المبدعة صبا حمزة التي عشقت ألوان الأرض وسطرتها على القماش.
◄ ماهي التأثيرات البصرية الأولى التي قادك إلى الفنون التشكيلية ؟
▪ التأثيرات البصرية كثيرة لكن المسرح كان الرافد الرئيسي للمشهد البصري عندي فالمسرح أسس اللبنة الأساسية لي، ومن خلال قراءتي للمدارس المختلفة للمسرح والتنوع الكبير للكتاب أثرى عندي المشهد البصري والذاكرة الانفعالية.
يوجد هنالك تصنيف حديث للناس من خلال البرمجة اللغوية العصبية حيث يصنفهم إلى ثلاث أصناف أناس (حسيين) أناس (بصريين) أو أناس (سمعيين) وأنا أصنف نفسي من الناس البصريين فأجد نفسي كلما أقرأ أو أسمع يترجم ذلك في مخيلتي إلى صورة الحدث الذي أقرأه أو أسمعه وبالتالي فالصورة التي أراها في مخيلتي أضافت لي الكثير في بداياتي الفنية، فكل مايراه الفنان في حياته اليومية يترجم إلى ذاكرة بصرية تخزن في اللاوعي عند الإنسان وممكن أن يسترجعها الفنان ويعبر عنها ويترجمها إلى أعمال فنية.
◄ ماذا أضافت لك التجربة الفنية التشكيلية القطرية الغنية بفنانيها ومبدعيها ؟
▪ الساحة الفنية القطرية مليئة بالفنانين التشكيلين القطريين الشباب والرواد وهم كمبدعين ومبدعات حريصين دائما على التجديد والإبداع وأن يكونوا قريبين ومواكبين للتجارب العالمية والعربية.
والساحة التشكيلية القطرية غنية بتجارب فنية مختلفة ومتنوعة من الفنانين مثل الفانين العراقيين وفنانين من جنسيات أخرى وهذا التزاوج الرائع بالتجارب الفنية المتنوعة يتيح للفنان رؤية مشهد بصري متنوع وغني وتوفر في نفس الوقت حرية للفنان للمنافسة الشريفة، فكل فنان له أسلوبه الفني المختلف عن الأخر فتنوع المدارس والأساليب الفنية المختلفة تولد عند الفنان أيضاً الثقة بالتميز والإبداع و كل الفنانين يعملون يداً بيد لرفع المشهد التشكيلي القطري ومن ثم العربي إلى العالمية.
فالدوحة أضافت لي الكثير من خلال عملي في قناة الجزيرة الفضائية كمصمم أول غرافيك دزاينر من الناحية الفنية والتقنية.
◄ المتابع لأعمالك يشاهد اعتماد كبير على عنصر اللون وأحيانا يكون العنصر الوحيد في لوحاتك؟
▪ لكل فنان رؤيته التي يعمل من خلالها وبالنسبة لي ومن خلال مسيرتي الفنية لي رؤية فنية أعمل من خلالها وأأمل أن تصل بوضوح وبصدق للمتلقي.
الرؤية الأولى هي الأرض الحلم والفردوس المفقود هي الأرض من جديد دائما وأبداً... تتغير الصور وتتقلب الأزمان وتبقى الأرض هي الأرض في ماهيتها المادية.. مكان يحوينا لكنه بالمقابل له قيمة معنوية مقترنة بالاحتواء البشري الذي يشبه بقيمته المعنوية حضن الأم.. وبالتالي اقتران الصورتان عندي هو ناتج لشغفي المستمر وبحثي الدائم عن بقعة أرض أشعر بالانتماء لها وليس لأني ملزمة البقاء فيها لوجودي عليها. بالنسبة لي ولكل إنسان منا لديه حلم رومانسي بالفردوس يشعر من خلاله بالأمان والانتماء.
وبالتالي فالفردوس هنا كقيمة رمزية أصبحت متناغمة مع الأرض..
فالأرض في أعمالي لها قيمة لونية غنية برمزيتها، وحاولت من خلال رمزية اللون أن أحمل المتلقي إلى ذاك الفردوس لعله يجد ضالته المرجوة ومن خلال أعمالي وفي عدة معارض تجد أن الأرض بشكل مجرد من قوانين الطبيعية كالشكل واللون والزمن.
فأطلقت العنان لمخيلتي وبفنتازية عالية لإيجاد فردوسي المفقود ويمكن أن أسميه في هذه الحالة بالملاذ وهنا حصلت على التطهير النفسي والمرجو من العمل الفني والرؤية الثانية تأثير الزمن على السطح وتأثير الزمن على الروح، فالزمن يترك آثاره العارمة على السطوح المادية.. وقد تناولت ثلاث أنواع من السطوح وهي الحائط، الحديد، الخشب..
فالزمن يؤثر على هذه السطوح بفعل عوامل التعرية والرطوبة والطقس ويتفاعل جنباً إلى جنب مع الزمن فالحائط يقدم ويتهلهل والحديد يتأكسد والخشب يتعفن أو يتهرأ بتأثير الزمن ومن جانب أخر فالحائط يحمل قيمة وجدانية عالية من وجهة نظري لما يحمله من قدم بحيث يكون شاهد على عصر أو معاناة إنسانية وأفراح قد تكون مرّت بجانبه.
فجدلية العلاقة بين الزمن والسطح والروح هي منظومة معقدة فالزمن هنا هو الفعال في تأثيره.. والروح تشبه السطح كلاهما لايستطيع الوقوف أمام منظومة الزمن، وهنا سؤال يطرح نفسه هل نستطيع ترميم الروح كما نستطيع ترميم السطوح؟؟؟
◄ اللوحة تمر بعدة مراحل مرحلة الفكرة والتصميم، الإنجاز والتوقيع، النقد والاستحسان من قبل المتلقي، حدثينا عن هذه المراحل؟
▪ يجب النظر للعمل الفني بأنانية وأحترم وقدسية عالية وإذا توفرت عند الفنان شروط الاحترام لعملة الفني فالمتلقي بالتأكيد سوف يصله الحس بقدسية العمل الفني.
ومثلما ذكرت هناك عدة مراحل للعمل الفني وأن من وجهة نظري أن العمل الفني له مرحلتين.
المرحلة الأولى: تسمى بالملكية الخاصة للفنان وهي مرحلة الإنجاز
والمرحلة الثانية: تسمى بالملكية العامة للعمل الفني وأقصد بها أن الفنان بمجرد أن يعرض عملة الفني يصبح العمل ملك المتلقي من نقد وتذوق.
فالنقد الجاد والهادف دائما يضيف للفنان ويساهم في تطوير العمل الفني وبالتالي الناقد الجاد يلامس برؤيته النقدية أماكن لم ينتبه لها الفنان.
◄ ماهي قراءتك للفن التشكيلي العراقي والعربي الآن وفي المستقبل وبماذا تنصحين؟
▪ الفن التشكيلي العراقي المعاصر له تأثير واضح في حركة التشكيل في الوطن العربي، وجهود الفنانين التشكيليين العراقيين هي جهود فردية وذاتية في النشر والارتقاء بالفن التشكيلي العراقي، فالفنانين التشكيليين العراقيين رواداً وشباباً، محترفين وغير محترفين تركوا بصماتهم وأثروا في عمق التجربة الراهنة للفن التشكيلي العربي.. فكريزما العمل الفني العراقي لها أثر واضح على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي.
◄ ما هو أثر قاعات العرض على الفنون التشكيلية والحراك الثقافي العراقي والعربي؟
▪ يزخر السوق التشكيلي العالمي والعربي بكمٍ هائل من نتاج الفن التشكيلي العراقي والعربي في قاعات العروض التخصصية الرسمية وغير الرسمية والتي تلبي حاجة المستهلك، وهناك مؤسسات رائدة تقدم التجارب الجديدة للفنانين التشكيليين العراقيين والعرب والأجانب على حد سواء.
ويجمع الفنانون التشكيليين العراقيين والعرب على أهمية الصالات الخاصة والعامة.. غير أن الجمهور في حجمه يشكل ركناً أساسياً في نجاح الصالة التي تعرض الأعمال الفنية أياً كانت الصالة فاستقطاب نتاج معين وفنان ما يعكس حجم الجمهور. لكن وبالعموم يلاحظ أن الحضور يقتصر على يوم الافتتاح وينحسر تدريجياً أثناء فترة العرض.
◄ ماهي المواضيع التي تستهويك أن تتناوليها في لوحاتك ؟ وهل تعتقدين أن للفكرة ولموضوع اللوحة أثر على جذب المشاهد بصرياً لها ؟
▪ الحداثة تستهويني وتستفزني في نفس الوقت، فيجب أن يكون الفنان متصالح مع ذاته والمجتمع في آنٍ واحد لإنتاج أعمالة الفنية، ولكن للأسف الكثير من الفنانين ينتجون الأعمال الفنية بأسلوب حديث لكن يعيش في تناقض كبير بين الفكر والمضمون، فالحداثة هي فكر ومضمون تسير جنباً إلى جنب مع العمل الفني.
◄ هل تحبين أن تكون لوحتك واضحة للمشاهد؟ أم تضعين فيها لغزاً وسراً لكي يصعب عليه أن يقرأ كل تجلياتها ؟
▪ ليس بالضرورة أن تكون اللوحة دائما واضحة للمتلقي.. وهنا تكمن جدلية العلاقة بين الفنان والمتلقي.. فالمتلقي منهم أحياناً يكون مثقف ثقافة فنية عالية وأحيانا ليس لة علاقة بالفن لكنه يتذوق الفن ومنهم مقتني للأعمال الفنية. وبما أن الفنان يجب أن يخاطب جميع شرائح المجتمع فهو يحمل على عاتقه رسالة صعبة هي أن يرضي جميع هذه الشرائح، فأنا أحب أن يكون عملي غامض وليس سهل الفهم أي له أسرار ويصعب حل رموزه، فالعمل الحديث تكمن المتعة فيه في الرؤية المتجددة للعمل الفني.
لكن بالنسبة لي أنا أواجه مشكلة في تلقي وفهم أعمالي الفنية من قبل الجمهور العام وليس الخاص وذلك يرجع لأن أعمالي حديثة الأسلوب، والناس دائما تحب الواقعية في الرسم.
◄ مالذي تريدين إيصاله للمشاهد من خلال أعمالك ؟
▪ عندي رؤية فنية أعمل من خلالها وأحب دائما أن تكون واضحة للمتلقي فأنا دائماً أحاول أن أحث المتلقي على التفكير المستمر والبحث وحل رموز العمل الفني.. والحوار بين الفنان والمتلقي أهم وسيلة للتواصل، فيجب أن نمتلك لغة حوار عالية تهدف إلى إيصال العمل الفني بصورة سليمة إلى المتلقي.
◄ ماذا تستهوين غير الرسم من الفنون التشكيلية وهل لك تجربة ما..وما هي نشاطاتك الأخرى؟
▪ الرسم هو جانب من جوانب الفن التشكيلي وبالتالي الفنان يمتلك الأساس لكنه ليس بالضرورة أن يمتلك التكنيك المناسب لأداء الفنون الأخرى.
فالنحت يستهويني كثيراً لكني لا أمتلك التكنيك المناسب الذي يؤهلني لعمل فني نحتي وبالتالي فأنا متأثرة بالنحت في رسوماتي التعبيرية على الورق التي أحتفظ بالكثير منها ولم أعرضها.
أما الفنون الأخرى مثل الرسم على القماش والباتيك والرسم على الزجاج فلديّ الكثير من الأعمال الخاصة.
أما في مجال التليفزيون والمسرح فقد درست في معهد الفنون الجميلة في بغداد الماكياج وعملت كماكيرة متخصصة بالأعمال التاريخية والحيل الدرامية في تلفزيون الأردن لمدة 8 سنوات، ويستهويني أيضا الرسم بالكومبيوتر عن طريق برامج متخصصة بالرسم.
0 comments:
إرسال تعليق