الأزياء الفلكلورية العراقية أرث وأصالة متجددة...
أن قراءة التراث والتمسك به بعد غربلته، هو أثبات للهوية. الهوية التي تميزنا حاضرًا ومستقبلاً، لأن شعبًا بلا هوية هو شعب بلا وجود. ومن سوء حظنا لا يزال مورثونا الشعبي غير موثق وهو ينتقل من جيل إلى جيل أخر ، ولكن في تناقص وربما في تغيير عفوي أو مقصود في النص أو الأسلوب أو المعنى أو الشكل ... وهذا التغيير ضمنياً في شكل التراث الشعبي وفي بنائه وتوجهاته مما يعرض ثقافة وموروث العراق كله إلى الخطر وعدم معرفة حقيقة تراثه ، وبالتالي مسح الأصالة الضمنية التي يحتويها تراثنا الأصيل، وهذه دعوى أوجهها إلى المؤسسات الثقافية وإلى كل الأدباء والفنانين والمؤرخين والباحثين وكذلك الصحف والمجلات لإعلان حملة شاملة توثيقية لجمع التراث وتدوينه على حالته الأصلية لغة ولفظاً وعبارة وصورة وغيرها، من دون أي تغيير أو إضافات أو تعديلات ، لإعادة قراءة هذا الموروث الشعبي واستخراج كل ما هو مفيد منه وتقديمه للمجتمع في نسق أصيل غير محرف هادف يدعو إلى بناء الإنسان وتثقيفه وترصين هويته وانتمائه إلى وطنه . وأن من بين ما تعرض إلى الإهمال وعدم التوثيق والنشر وحتى الترويج له في تراثنا الشعبي العراقي وأصبح شبه مفقود في حياتنا اليومية أو شبه مفقودة هي ( الأزياء العراقية الشعبية ) .
ومثل العراق البلد المتنوع في طوائفه وأديانه وثقافته وتنوع أزيائه الجميلة من منطقة إلى منطقة ومن حي إلى أخر يسترعي منا الوقوف في هذا الجانب المهم والحيوي الذي يدخل في صلب حياتنا اليومية في العمل وفي الشارع وفي البيت وفي المناسبات المفرحة والمناسبات الحزينة أبعدكم الله عنها وغيرها ، فمن منا لا يحتاج إلى الأزياء في حياته اليومية .
ولكوني مهتم ومختص بهذا الجانب كفنان تشكيلي ومصمم أزياء وعملت في مجال تصميم الأزياء بكل إشكالها التأيخية والتراثية وحتى الحديثة ، لجمالها وسحرها وأصالة هذه الأزياء التراثية الشعبية ولعل ما وجدته من إهمال وعدم الاهتمام بهذا الجانب سواء من قبل الأفراد أو المؤسسات ما دعاني إلى الإبحار في تصميم الأزياء العراقية التراثية وتقديم أغلب عروض الأزياء سواء الخاصة بي من خلال الدار أو الفرقة التي أديرها أو من خلال عملي كمصمم أزياء في دار الأزياء العراقية في السنوات العشرة في عملي في هذه المؤسسة المعروفة على مستوى الشرق الأوسط والتي مثلت العراق في المحافل الدولية بأغلب دول العالم لتقديم ثقافة وتأريخ العراق المتمثلة بأقدم العصور التاريخية العظيمة التي علمت الإنسانية الكتابة ، ولكن تكويني فرقة ودار خاصة بي وهي ( فرقة دنيزاد للأزياء التراثية العراقية ) جعلني أكثر انفتاحا وحرية بنشر الأزياء الشعبية بل تعدى ذلك وامتد لتقديم وأعداد برامج مختصة بتقديم الأزياء التراثية بكل حلقة من حلقات برنامجي من على الفضائيات العراقية سواء على الفضائية البغدادية أو القنوات العراقية الأخرى ، نتيجة ذلك الإهمال والموجة التي طرءة على أسواقنا العراقية من ملابس وأزياء لا تمت وتعبر عن هويتنا وأصالتنا وتفتقر إلى الحشمة التي تتمتع بها العراقيات والمرأة العراقية على وجه التحديد إضافة إلى تأثيراتها السيئة خصوصاً على المرأة بسبب الأقمشة الرديئة والمصنوعة من مواد كيماوية وكذلك لضيقها ولأسباب أخرى لا تعرفها المرأة ، والغريب في ذلك أن أغلب الأزياء المستوردة من الخارج سواء من دور أزياء غربية أو الدول النامية هي مقتبسة من تراث وحضارة العراق ويتم تصميمها وإضافة تغيرات في الدزاين ومن ثم تعود ألينا على أنها أزياء غربية ، فلماذا لا نتمسك بأزيائنا العربية الأصيلة في حين أن هناك شعوب لا تقل ضعفاً عنا، ومتمسكة بأزيائها الوطنية مع تقبل الأزياء الغربية.
حيث أعتبر المرأة الهندية اسطع وأفضل نموذج ناجح على هذا، بحيث بقي الساري الهندي زيا لكل طبقات المجتمع بما فيها الطبقة المثقفة والعليا، بل أن احترام هذا الزى فرض نفسه حتى على النساء الغربيات فشاع بينهن بكثرة . والغريب ما لاحظته من خلال عملي خارج العراق بمجال تصميم الأزياء إلى اقتناء الازياء التراثية من قبل النساء الأجنبيات المتذوقات لسحر الشرق سواء بكونها أصبحت موضة شائعة في أغلب الدول ومن خلال متابعاتي لدور الازياء العالمية هو دخول المصممين الأجانب في تصميم الأزياء الشرقية فكانت هناك عروض خاصة عن هذه الأزياء وخاصتنا ( العباءة ) الشرقية .
وأود أن أشير إلى أن أصل العباءة هو عراقي ومن صنع ولباس عرب بغداد حيث يذكر الرحالة الانكليزي ( بكنكهام ) في كتابه وأدي الرافدين أن لباس العراقيين والبغداديين الرئيسي هو العباءة وتعد من أجود وافخر الصناعات في العراق حيث يذكر أن العباءة كانت تباع بستة ليرات إسترلينية آنذاك وهي مصنوعة من أجود الأصواف العراقية . هذا كله يدعونا إلى وقفة متأملة في أعادة الاهتمام بأزيائنا العراقية الرائعة والجميلة. التي تعبر عن خصوصيتنا وجمال فننا لأنها تعبر عن هوية كل شعب من الشعوب فيمكن أن تتعرف على شخصا ما أو مجموعة من الأشخاص عن طريق أزيائهم وكذلك لتعميم أزيائنا وإعادة اقتنائها للرجال والنساء في كافة أرجاء وطننا الحبيب وتعميم استخدامه حتى في مرافق العمل أو في المرافق السياحية أو في المناسبات الرسمية أو في اقتناء موظفي وموظفات المطارات العراقية لأزيائنا التراثية لكون عملهم مرتبط بالسفر الدائم واستقبال الأجانب والوافدين من خارج القطر فهم بمثابة واجهة تعكس هوية وحضارة العراق الأصيل ..
الفنان / ميلاد حامد
مصمم أزياء: فنان تشكيلي
0 comments:
إرسال تعليق