الثلاثاء، 11 أكتوبر 2011

الفن التشكيلي في العراق

  الفن التشكيلي في العراق

لم يكن النقد التشكيلي العراقي بعيدا عن منجز التشكيل منذ بداياته وحتى الان . ليس مما يفهم من سياقه تخصصا . بل مرادفا معرفيا بحدود نشأته المتزامنة وحداثة التشكيل نفسه . (محمود صبري) و (جبرا ابراهيم جبرا) وحتى (جواد سليم)، هم بشكل من الاشكال نقادا، كما افرزتهم ظروف التأسيس. لكل منهم نضج فني وثقافي بحدود التفسير والتنظير الموازي لفترة التأسيس، رغم اختلاف مصادرهم الثقافية والذوقية. و لم يكن التشكيلي في العراق بعيدا بشكل مطلق عن رصد نتاجه الفني بما يوازي دور النقد، رغم خطابية معظم تنظيراتهم والتي ساهمت فترة ما ببروز هذ النبرة الخطابية. مثلما توزع النقد نفسه مساحة ما بين (سهيل سامي نادر) و (شاكر حسن ال سعيد). مع ما للصحافة من مساحة من النقد الذي لم يكن كله بريئا، مع ذلك فان ملامح ابرز التجارب التشكيلية العراقية لم يغيبها النقد ولم تستطع السياسة الهوجاء في اتعس اوقاتها ان تغيب معظمها. وما يشيع من خطاب جديد (اظنه طارئا) يتجاوز او يلغي حصيلة النقد التشكيلي العراقي (الداخل) لعقود مضت، او يحاول تأسيس خطاب نقدي متهافت لا يخلو من هاجس الوصاية في زمن يرفضها. خطاب كهذا اظنه لا يتجاوز نواياه المعلنة الا بما توفره النوايا من مساحة ضيقة لا تتناسب وسعة تجارب تشكيليينا.
رغم ان معظم تشكيليينا المهاجرين تشكلت رؤيتهم داخل العراق ( بالذات الهجرات المتأخرة ) بقي غالبيتهم يحاور منطقة ابداعه ذاتها, الا ان هذا لا يعني انهم حافظوا على حيادية وسط حاضنهم الجديد, دون التفاعل وتجارب تشكيلية تتناسل باستمرار. تجارب لا تعفي بعض من غرابتها البحث عن علاقتها بزمنها وبيئتها بحدود تتجاوز المألوف احيانا لهذه العلاقة . لم يعد الفنان صانع لوحات جميلةK في زمن باتت الصناعة تطول كل شيئ حتى الحلم. شساعة منطقة الابتكار والادراك لم تبقى حكرا على فئة دون اخرى. فكيف بـ(اعادة تركيب التشكيل العراقي، الداخل والخارج( 1 ). وهل يعني الامر الغاء مكتسبات الخارج لصالح الداخل ام العكس . ام الاكتفاء بذائقة محلية . ام استرجاع او محاورة ارث زمن هو الاصلح لذلك ( الزمن الغابر ) . ما قدمته تجارب مغتربة (روسية ولاتينية ورومانية .. وغيرها وحتى عراقية في تجربة محمود صبري الاخيرة ( واقعية الكم ) يتعدى المحلية الى خطاب عالمي النزعة. هل هي وصاية لتحجيم بحث الفنان العراقي المغترب في بلد اغترابه , بما ان الطرح هكذا ( رفع الحدود بين التجريد والتشخيص واعادة الكرامة للوحة بعد تخمتها من الوسائل الغربية الممسوخة (1 ) ) مثلا , ومن ( الاستعارات الغربية العنيفة الغاضبة التي ساهمت في اختناق الروحي والوطني ) . كأن التجريد بشكل عام طاريئ على التشكيل العراقي , ان لم يكن جزأ من منجزه ومنذ الستينات من القرن المنصرم . مثلما استغلت مساحته لخيرة اعمال ( البعد الواحد ) على امتداد رقعة الاوطان العربية , تقنية وتنظيرا لا يخلو من مرجعيات صوفية اسلامية ( ولم تكن تجريدية كاندنسكي الغربية وغيره بعيدة هي الاخرى عن مرجعياتهم الصوفية ) . لم تكن ثمة حدود يتوجب رفعها بين التجريد والتشخيص , بالوقت التي باتت مدارس الفن ( الاساليب ) تتبادل وتتنافذ بشكل مدهش الان . البحث الفني التشكيلي مشاع بحدود استيعاب الفنان وضمان حريته الادائية , وما ينتجه لا يأتي من فراغ , بل تتظافر فيه مكوناته الشخصية بكل ابعادها, ومحيطه وبيئته . ليس في النيات ( الروحية والوطنية ) المبتسرة . تاريخ الفن معظمه تاريخ اشخاص على امتداد زمنه , وما البحث الجماعي الا في حدود ردم الفجوات .
خلط المفاهيم اعتقده منافيا لجوهر الفعل التشكيلي ( تقاليد علينا بالحرص عليها ذات امتداد في المدى الأجتماعي والبيئي ( 1 ) ) ان كان القصد تقاليد جماعة ( الرواد ) في الخمسينات . ( الخروج الى الطبيعة بشكل جماعي للطبيعة ) , فان الأمر يتناسب ومدارك تلك الفترة التي اعتمدت التسمية ( البدائية ) وكان الفضل لجواد سليم ومحمود صبري في الالتفات الى المدينة بقضاياها المحيطية والسياسية التي واكبت فترة التحرر الوطني . ومع ذلك بقية التجربة بحدودها الشخصي . صحيح ان هناك امتداد في اعمال بعض التشكيليين العراقيين , لكنها لم تؤسس لتقاليد واضحة ولا تزال في حدود الأرشفة . اما التقاليد الموروثة ( الاثرية , بشقيها القديم والاسلامي الوسيط ) فهي في حدود استعادة مؤثراتها بما يتناسب ومساحة الحرية الممنوحة للفنان الان , وبما يعزز منجزه المعاصر وليس تثبيتا لمفهوميتها الأثرية التي كرست لزمنها الغابر . هي ضمن هذه المساحة مشاعة مثلها مثل بقية ارث العالم .
الاشكال الاخر ( ردم الفجوة بين المتلقي والعمل الفني ) . العمل الفني ( التشكيلي ) هنا هو الصورة المعاينة , المجسمة , المجمعة والمركبة , اداء الجسد , الفكرة ولغزها .. الخ . اي بمعنى ما : تستوعب تقنيات التشكيل الان كل المواد الاولية , المصنعة وغير المصنعة , التقليدية وغير التقليدية , الثابتة والزائلة , تستوعب الفضاء المقنن المحدود والفضاء الخارجي الغير محدود . كما يستوعب الفن الواقع والخيال والفنتازيا . بعض اعمال الفن كما اراد لها ( ماتيس ) في وقت من الاوقات كرسي مريح , بعضها الاخر مشاكس لتواريخه الصعبة . بعضها معقد بتفاصيله , البعض الاخر مختزل للحد الذي لا يبين عن شيئ واضح . كل منها يحمل بصمة بيئة الفنان ونظام محيطه الحياتي والثقافي . بدون اغفال سطوة مؤسسات معينة على الذائقة التشكيلية العالمية ( الغرب اميركية ) والتي لا تعني مطلقا مصادرة النتاج العالمي ككل لصالحها , الا بالقدر الذي يوفره نفوذها على مفاصل معينة وفرضها ( كاريزما ) تتناسب وسياساتها الاعلامية . .. الفجوة بين المتلقي والعمل الفني التشكيلي تردم بما يتوفر للمتلقي من ضرف حياتي حضاري يوفر له فسحة من التأمل والاستمتاع في النتاج التشكيلي , وليس بمصادرة العديد من منافذ التشكيل بحجة غموض مكوناتها , اوغرابة مناطقها الادائية . ولنا عبرة في تجارب سابقة حاولت تقنين الفعل الفني باديولوجيات محددة .
من حق الفنان التشكيلي العراقي تسويق اعماله , ما دام للفن سوق للتسويق , على المستوى المحلي او الاقليمي او العالمي . وليس بخافيا ما لوسائل التسويق و الاعلام من سلطة في ذلك . اما الادعاء ب( الركض لأرشفة التاريخ الشخصي , بقيامهم بطبع الكتا لوكات والصرف ببذخ على الناقدين( 1 ) ) , فهو ادعاء ينافي الحقيقة , اذا ما علمنا , وهو امر ليس خافيا , لما تعرض له التشكيلي العراقي في الداخل من محنة التهميش في اصعب فترات المد الدكتاتوري , ومن حرمان طال ضروريات حياته وحجر على حريته في السفر والاطلاع , الا في حدود ضيقة لا تتعدى بعض مسارب ضيقة لبعض الدول المجاورة , وبمجهود شخصي خارق . والتشكيلي العراقي المهاجر , معروفة ظروف هجرته , ليس بطرا , او اعتمادا من مؤسسة داعمة . الا بعض افراد سبق حدسهم ما خبيئ للعراق من محن لاحقة . .. الارشفة التشكيلية الشخصية احدى علل المنجز التشكيلي العراقي , ان لم تكن اهمها , فهي وبشكل عام لم تستوفي شروطها , ولم ينظر لها بنفس اهتمام الفنان بعمله , مما ضيع معظم التاريخ التشكيلي العراقي , خاصة بعد حرق مركز الفنون ( تاريخ منجز التشكيل العراقي ) . اما اذا كان المقصود بعض كتالوكات قليلة متناثرة , هنا وهناك لتجارب شخصية استطاعت بشكل من الاشكال ان تجد طريقها بجهد فردي , فان الامر لا يشكل فرية تستوجب الاشارة اليها . هكذا هو حال السوق التشكيلي وعديدنا جزء منه . اما بالنسبة للنقد والنقاد , فابخسهم حقا هم العراقيون اذ اني لم اجد تشريعا ما يظمن حقوقهم , مثلما لم اجد سعرا لبضاعتهم , كما هو الحال في معظم الدول .
واكبت حداثة التشكيل العراقي حداثة الشعر تزامنا مع بوادر نهضة ثقافية مصاحبة لنهضة التحرر الوطني . الوعي الفائق الذي رافق ملابسات هذه الفترة . قاد خيرة مثقفيها ومنهم التشكيليين ( والتشكيل بمعناه الحديث مستجدا على الساحة العراقية ) الى البحث عن منافذ جديدة , تتعدى شحة اساليب الفترة السابقة , او انعدامها ( مخلفات السلطة الثقافية العثمانية وبعض من تجارب بسيطة فردية ) . الوعي الثقافي هذا هو الذي قاد بعض مؤسسي حداثة التشكيل العراقي الى تشكيل رؤاهم و اساليبهم من مناطق حداثة التشكيل العالمي وقتها , دون اغفال تفسيراتهم الشخصية التي تطلعت دوما لموروث اثري ومحلي قابل للمحاورة وبقي هذا الدرس شاخصا لفترات لاحقة . .. اما الادعاء ب ( حصر اسئلة التشكيل العراقي في اشكاليات ثقافية اكثر منها تشكيلية . وعلى الفنان العراقي وهو خليق ان يتجاوز هذه الاشكاليات ( 1) ) . ربما هو ادعاء تعسفي يشمل الفترات المتأخرة . او بالذات ما نظر لمنجز البعد الواحد , لعلاقته بخصوصية مرجعياته الاثرية (الحرف العربي والتصوف الاسلامي ) من اجل خلق خصوصية محلية ما وسط كم التجارب المتناسلة عالميا .
بعيدا عن ( استنساخ الاخر( 1) ) والثقافات بشكل عام متناسخة . ليس بمعنى ( العمل النسخة ) ’ بل من خلال اكتشاف الاخر ومستجداته الحيوية , التي لا تنحصر في الاعمال التعبيرية ( مسايرة الركب والانفتاح على الاشكال التعبيرية ( 1 ) ). وبعيدا عن النبرة الامرة ( على الفنان العراقي وهو طليعي ان ... ( 1 ) ) . بما ان هناك العديد من القراءات النقدية الفنية , حالها حال فروع الثقافة المعاصرة . اظافة لأهمية قراءة الفنان لعمله , بما ان بعض الاعمال تحمل لغز مكوناتها ( المفاهيمية مثلا ) , والتي يحاول الناقد هنا ( 1 ) ) الشطب عليها , بما انها تستعير بعض ادواتها من مناطق ثقافية غريبة عن جوهر التشكيل العراقي كما يفهمه . ليس بمفهوم تنافذ الثقافات , والتشكيل احدها . اما قلقه من ( ابتعاد الغالبية في العراق ومنذ عقود عن المشاركة في القرار في المشروع الأجتماعي والسياسي ( 1 ) ) وكما يتوهمه ( تخلف مستويات الوعي , سيادة العشائرية والقبلية ) . فأمر غريب , ان لم يكن مطلعا حتى على بعض فترات من التاريخ العراقي . التي اعني بها بعض فترات الانحطاط السياسي ( من التاريخ الاسلامي الوسيط ) , والتي لم تمنع حلكتها بروز انماط راقية من الابداعات الثقافية . لم تكن ابتكارات الفن الحديث عبثا , بل كانت للأزمات السياسية الكارثية الأوربية دورا بثورة اساليبه . ولم يكن التشكيل العراقي منذ نشأته ( وانا اتكلم عن المنجز الحقيقي وليس هامش التشكيل) ذيلا لعشيرة او قبيلة . اما اذا كان المعني سلطة الدكتاتورية ( وهي مؤسسة مهيمنة ) , لكنها وكما كانت التجربة التشكيلية العراقية , في منتهى الجهل عن تفسير مناطق ومرامي غالبية نتاجات التشكيل التي عاصرتها . الجهل الفاضح هذا لعب عليه غالبية افضل تشكيليينا , ولم يكن تشكيل الداخل قاصرا الا في حدود حجب تجارب العالم عنه .
يستهلك عالمنا ( الصورة ) اكثر من اي منتج اخر والتشكيل الان في صراع دائب وهذه الثقافة الصورية بمناشئها العديدة الطاغية . شساعة مناطق تقنية الصورة باتت تفرض انماطا وسلوكا معينا على النتاج التشكيلي العالمي , ليس بالأمكان تجاهلها . كيف لك ان تتجاوز طغيان هذه الثقافة وانت تعايشها . اما ( الاصرار على اقتحام عين المشاهد بعنف ولا تصالح ( 1 ) ) او ( الهوس في استخدام افكار ورؤى التشكيل الغربي في طرح موضوعاتهم ) كون ( الفنان العراقي في الخارج لا يزال منقادا الى ما ينتجه الغرب ) . انا لا اعرف اي اقحام او اقتحام هذا المفترض . هل بعض من النادر من نتاج تشكيليينا في الخارج المقصود بهذ , ام هو تعميم وتجربة الفنانين ( علي عساف ومظهر احمد ونديم الكوفي وعمار سلمان .. وغيرهم ) ماثلة امامنا . في الحالتين تأثير الوسط البيئي الحاضن على تجارب فناني الخارج لا بد منه وليس في الأمر انتقاص من التجربة وخصوصية بعض مفرداتها , بقدر اغناءها . اما ( ابراز الصراع بين مفردات اللوحة ) ) . فاللوحة الان لم تعد تكفي لمساحة الاداء التشكيلي اصلا . وان اصبحت بعض من مفردات التشكيل ’ فهي قادرة ايضا ان تغني مساحتها بمكتشفات اساليب الاداء التشكيلي المتجددة . اما صراع المفردات , فهذا امر غريب . اية مفردات ( الاشارات , الكتل , الالوان ... ) ام المقصود تدوين مفردات ( الواقع , الخيال , الحلم , الفنتازيا ... ) . في كلتا الحالتين , للفنان حرية التجوال والتقاط ما يناسب مشروعه الفني , وهو كفرد غير مفصول عن محيطه وميوله المثقفة او الفطرية . ليس الفنان اداة نقش حسب الطلب . ما مر به بلدنا العراق ليس هينا , وتاريخنا العراقي على امتداده لم يكن كله بريئا , اشياء عديدة ورثتها جيناتنا . هذا الأمر يفسره الكم الغير طبيعي من شعرائنا وفنانينا ومفكرينا الجوابين اقطار العالم . ما يلزما ليس الوصاية المشوبة بالادانة , بل التوثيق , دراسات معمقة لنتاج مغتربينا .
الاشكال الاخر يتعلق بهوية العمل الفني , والمتلقي . بما ان عقدة الحداثة مستحكمة , فهي ( نرجسية وتحمل الكثير من الغبار الصناعي الكئيب الذي حمله الغرب ( 1 ) ) . بينما ( الفن الاسيوي الهندي .. يتناقض مع الطروحات الغربية و يستلهم رموزه التعبيرية عن الحياة والخلود والعالم الاخر ولم يسعى للابهار( 1 ) ) , والامر موصولا بفن ( فترة الكنيسة الذي يقيمه الناس ) . هنا تبز نبرة التناقض الحادة ( الشرق , شرق . والغرب غرب . لا يلتقيان ) . ومنابع مصادر الثقافات العالمية ليست خاضعة للفصل كما هو معلوم بنفس هذه الحدة . فالحداثة الغربية اخذت الكثير من الشرق . كما لم يكن الشرق معزولا عن الغرب بأية حال من الاحوال في زمن الحداثة , ولا يزال . اما ايراد فترة الفن الكنسي كمثل بارز لفهم العمل التشكيلي من قبل الجمهور ( المتلقي ) . فلا اعتقده مناسبا الان . لاختلاف الهدف الثقافي اولا . ولفاعلية المنجز البصري التشكيلي السردي ( رسما ونحتا ) وقتها . صحيح انه ليس بالامكان اغفال عوامل كالجغرافيا اوالارث التاريخي والوجداني . لكن ليس بامكاننا الغاء ثقافة عصرنا المعلوماتية سريعة التنافذ , لصالح كيتوات ثقافية بيئية و تاريخية , بما ان الفن الان يستوعب كل الثقافات . في وقتنا تتعايش في الصين اساليب التشكيل التقليدية العريقة واساليب الحداثة . مثلها مثل بقية دول اسيا الشرقية . وتجربة اليابان هي الابرز , دون فقدان عناصر وجدانية خاصة بها , طريقة البحث والعائلة اللونية والمؤثرات المعلوماتية والبيئية وتفاصيل عديدة . التتبع لنتاج التشكيل العراقي , ومنه المغترب , لا يفقد عناصر مشابهة . الفن التشكيلي كبقية الفنون لا تقاس جودة نتاجه بالكم , هم افراد يصنعون ذائقته , وعلينا البحث في نتاجهم , وكثيرة هي النتاجاجات التشكيلية العراقية القابلة للتثمين والاشادة , كشواهد بارزة تؤرخ لفترة ضائعة .
ينتج اللعب واللاوعي العديد من خيرة النتاج التشكيلي , وليس بالوعي وحده يتم له ذلك. (الفنان يجب ان يفهم تجربته بمصطلحات عقلية ليعبر عن فهمه . ويعبر في الوقت نفسه بطريق المشاعر التي يسبغها على الاسلوب (1 ). وانت تنفذ عملك , ليس هناك من فصلا عن ذاتك , الا في حدود تدخل معارفك التقنية التي تسهل عليك اخراجه على مقاصدك التي تلبستك وقت التنفيذ . اختلاط عملية الوعي واللاوعي وتشابكها في النتاج الفني ليس بعيدا غالبا عن تأثيرات محيط الفنان وتاريخه الشخصي والعام , واخلاقية العمل الفني تكمن في انسجام عناصر مولداته , كي تستقيم مقولة ( الفن يحمل قيم اخلاقية ( 1 )
ارث الدكتاتورية المقيتة في العراق ( المقابر الجماعية ) التي تعدى الفعل الاجرامي فيها حدود التصور , ولم تعد وسائل التعبير التشكيلية التقليدية كافية للتعبير عنها بما يوازي فضاعة الفعل نفسه . ما وفرته مساحة المعاصرة من اساليب مستحدثة هي جزء من ارث المعاصرة الثقافية , بامكانها ان تدلنا على ما يناسبنا من اساليب التنفيذ التشكيلية التي تعيننا على انجاز عمل يوازي فداحة هذه الفاجعة ( الفديو , الانشاء والتركيب , المفاهيمية كاداء و أرشفة وغيرها .. الخ ) وليس كالادعاء بان ( اهل المذاهب الحديثة المستعارة من الادب . التفكيكية و التأويلية و الماورائية , الدلاليية و المفاهيمية ... الخ . المستعارة من الادب . ماهي الى مسارب عمياء مغلقة لا يهتدي فيها من يهمه تحليل الواقع الاجتماعي العراقي . ( 1 ) . فارى ان هناك التباسا واضحا في تفسير ماهية ووظيفة الفعل الفني , وحصر الامر بالمفهوم السوسيولوجي الاجتماعي .مثلما هناك فرز تعسفي بين مناطق الاداء الثقافية ومنها الفنية ( المذاهب ) وكأن الادب ادب , والفلسفة فلسفة , والفن فن ... جزر عائمة محايدة عصية على الاختراق . متناسين تنافذ اساليب الفن ومناطق اداءه المختلفة العريضة على امتداد التاريخ . فمن يجزم بان التشكيل لم يحاذي الشعر او الموسيقى او الفلسفة او الدراما او الرياضيات , بنسب معينة . ومن يجزم بان المدارس التاريخية , وكلها مخترعات عصورها لم تضفي طابعها على مجمل النتاج الثقافي , لذلك العصر . . المذاهب التعبيرية المعاصرة المذكورة هي وليدة ايامنا هذه . وما وفرته وسائل الاتصال الان من سرعة انتشار مذهلة , اباحت للكل للتزود من مصادرها . الأمر منوط لذائقة الفنان ووعيه في العزف على الوتر الذي يمس فكره ووجدانه بما توفره هذه الاساليب من مناطق ادائية شاسعة , اضافة لموروث الحداثة وموروثه الشخصي . شساعة مناطق التعبير اعتقده عامل مساعد لأكتشافات اوسع واعمق , لا عامل عثرة او عائق او استلاب . العصر عصرنا وعلينا العزف على الوتر الذي يمس شغافنا .
تأويل الموروث , عناصره الديناميكية بالذات , بادوات عصرية , كمحاولة لتاكيد هوية وطنية . هوجزء من نشاط التشكيلي العراقي على امتداد فترة منجزه. ولم يكن التشكيل العراقي بعيدا عن ذلك في بحوث عديد فنانيه . لم تكن اعمال العزاوي ومجايليه في هذا المجال ببعيدة عن مصادر حداثة التشكيل الاوربي , كما لم تكن تجارب شاكر حسن ال سعيد ومجايليه ايضا ببعيدة عن بعض مصادر المعاصرة , تنظيرا وتشكيلا . ولم تكن بحوث فنانين ك ( علي طالب ومحمد مهر الدين , واخرين ) ذات المنحى التعبيرى ( السياسي والاجتماعي ) الموصول بزمنها . بعيدة هي الاخرى عن مصادر الحداثة . كما لم تكن محاولات اجيال لاحقة , هي الاخرى ببعيدة عن ذلك , في حدود امكانياتها التي تعرضت لاحباطات ظرفها التاريخي القاهر .. القصور الادائي التعبيري لأجيال التشكيل العراقي , حصرا , في الداخل او الخارج ( لا ادري ). كما يذهب الناقد (1 ) , بسبب من ( رفضه الفارغ لكل ما يتعلق بواقع الثقافة الوطني . ( 1 ) ) . للفنان الحرية في اختيار اسلوبه ومنطقته التعبيرية . بالتأكيد هناك عوامل ما تقود مخيلته لذلك . الامر منوط بنا لاستجلاء تلك العوامل للوصول الى حكم نقدي مواز للمنجز . ليس بالنيات وحدها , ولكل منا نياته الخاصة . ان كان التشكيل وثيقة عصره كما نريد . فاعتقد ان منجز التشكيل العراقي اذا ما دقق بشكل كامل , افضل وثيقة ثقافية تمثل فترتها المنيرة والمعتمة . ان كان خلل ما يلف بعض منتج تشكيليينا الشباب , سواء باستنساخ تجاربهم . او غير ذلك . فمرجع ذلك شحة المصادر الثقافية او انعدامها , لظرف العزلة الخانق . هذا لا يعني اغفال تجارب جادة اخرى تواصل ما بدأته الاجيال الاقدم , بحدود المتوفر الذي لا يزال قاصرا, والامثلة عديدة على ذلك . احترام الانسان كأنسان فرد واحترام حقوقه كما تشرعها اعراف (حقوق الانسان ) والانفتاح عل مساحة الحرية وتوفير ظمانات العيش الكريم , يوفر لنا بالتاكيد نتاجا ثقافيا رافضا لاي ( تابو ) . ويتيح لكل انسان اشباع رغباته الوجدانية ( الفنية ) في اي فرع من فروع الثقافة , الصورية و المقرؤة والمسموعة .
اشكالية التشكيل والمتلقي ليست جديدة على تاريخ الفن . عانت ( الانطباعية . كمثل) ومؤسسيها من النبذ والتهميش , لما حملته من تغيير في الذائقة الفنية الثقافية وقتها , قبل ان تكون العصر الذهبي للتشكيل لاحقا . حالها حال العديد من الاساليب المستجدة الاخرى . مدارس التشكيل الحديثة اثرت الأرث الحديث بمكتشفاتها وطبعت النتاج الثقافي والصناعي بطابعها . المعاصرة هي الاخرى رديف لثورة المعلومات , ما يكون عاصيا على الادراك الان يكون مألوف غدا . لم تفقد تجارب تشكيلية معاصرة للعديد من دول شرق اسيا خصوصيتها , كما لم تفقدها تجارب اخرى لشعوب من الجانب الاخر للكرة الارضية . لم يكن التشكيل يوما ما درسا وعضي بحدود الوعض . تجارب كهذه حكمت على نفسها بالزوال . يزخر السوق التشكيلي العالمي بكم هائل من نتاجه المعروض في قاعات العروض التخصصية التي تلبي حاجة المستهلك وهناك مؤسسالت رائدة تقدم التجارب الجديدة , ليس كل ما يقدم في هذه المؤسسات على نفس الاهمية . لكن الامر يتعدى حدود العبث كثيرا.
شارك :

0 comments:

إرسال تعليق

أرشيف المدونة الإلكترونية

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *