السبت، 14 يوليو 2012

تكريت

أطلق عليها البابليون (تكريتا) والآراميون (تكاروت)-تكريت- حاضرة عراقية منجملة بالصبر والكبرياء..
أطلق عليها البابليون (تكريتا) والآراميون (تكاروت)-تكريت- حاضرة عراقية منجملة بالصبر والكبرياء..
ان الحديث عن انشداد المواطن العراقي لأرضه ووطنه وتتبع تاريخه ومراحل تطوره وازدهاره هو الحزام الأمني له والذي فرضته الحاجة الى الانتماء والى الحياة نفسها، ومن هنا فان الحديث عن المدن العراقية وتاريخها انما هو التذكير بالانتماء الحقيقي لهذا الوطن الغالي.
تكريت.. (تكريتا) وهي التسمية التي أطلقها البابليون على هذه الحاضرة العراقية الغافية على الضفة الغربية من نهر دجلة الخالد..
أصل التسمية
يذكر الباحث محمد جليل التكريتي في كتابه (تكريت الحاضرة في بقايا الذاكرة) بان تكريت تربض في ركن متواضع من وسط العراق وعلى خط عرض (34.5) وطول (54.5) مدينة متواضعة منجملة بالصبر ومتحلية بالهدوء والكبرياء ولقد تعدت وتنوعت المصادر التاريخية التي تناولت تكريت، وأصل التسمية تبعا لتعدد الحقب الزمنية التي مرت بها المدينة، وطبيعة الأحداث الداخلية والخارجية التي تفاعلت معها وأثرت فيها، فالمدينة قديمة جدا، ولم تشر كل المصادر التاريخية الى البداية الأولى لها، غير ان ذكرها ورد على لسان الآشوريين والبابلين من خلال المدونات والرقم الطينية القديمة.

موقع حربي حصين
ومن بين هذه التسميات، التسمية البابلية (تكريتا) او (تكريتاين) ثم تسمية العالم الجغرافي بطليموس _(برتا) والعالم ايمانوس (فرتا) ثم التسمية الآرامية (تكاروت) ليطورها السريان الى (تجريت) وتعني المتجر او المحل التجاري وهي أقرب التسميات كلها الى الواقع المستقر خلال فترة ما قبل الفتح الاسلامي، وتكاد هذه التسميات كلها تنحصر في مسميين (القلعة الحصينة) و(المتجر)، وهما صفتان تنطبقان معها على مدينة تكريت لأنها مركز تجاري وموقع حربي حصين في وقت واحد، ولا تزال قلعتها تطل على نهر دجلة من ارتفاع خمسين ذراعا.. وبوسع المرء الذي يمر فوق جسر تكريت الحديث رؤيتها وملاحظة كتل الصخر المرصوفة الواحدة بجانب الأخرى بحجم متر مكعب والتي كانت تستخدم لرمي المهاجمين على طريقة المنجنيق كلما دعت الحاجة لذاك، يحيط هذه القلعة من جوانبها الشمالية والغربية والجنوبية خندق كبير وعميق يغمر بالماء من نهر دجلة بواسطة بابين كبيرين في شمالها وجنوبها لا تزال بقاياهما موجودة حتى اليوم.

كنوز ثمينة
ويتحدث الباحث التكريتي عن الأحداث التي شهدتها قلعة تكريت، فيقول: لقد شهدت هذه القلعة أحداثا مثيرة جدا تركنا أمر تفصيلها للمؤرخين، ومما يؤسف له ان هذه القلعة العظيمة رغم قدمها لم يجر أي تنقيب جدي فيها بحجة ان العراق منطقة أثرية وان الكادر المتخصص لا يسعه تغطية كل المناطق، والتنقيب الوحيد الذي جرى في تكريت كان عام 1936 فقط ولم يشمل القلعة، وهكذابقي هذا (الشيخ الجليل) يطل من ربا التاريخ بصبر لا ينفذ ينظر الى الأجيال المتعاقبة تمر من بين يديه على أمل ان تمتد اليه يد جادة وحنون لتفك الرموز عن كنوزه الثمينة، ومما يؤكد قولنا ما التقطته ومازالت تلتقطه بعض الأصابع التي تتجول فوق سطح القلعة للنزهة في أعقاب مطر غزير من حلي ومصوغات ذهبية وقطع أثرية صغيرة وأخرى رخامية كبيرة بعضهم أهداها الى الآثار العامة ’آنذاك، وبعضهم اشتراها مستشرق بسعر زهيد، والبعض الآخر استخدمها الأهالي لأغراض منزلية أصابها التلف مع الأيام.

دور ديني بارز
ويتابع: ومما تجدر الاشارة اليه ان القلعة الشمالية هذه ليست وحدها التي تستأثر بالاهتمام فهناك قلعة أخرى الى الجنوب منها يفصلها عن الاولى منخفض بسيط تعتليها هي الاخرى أبنية قديمة وأثرية على رأسها الكنيسة الشرقية التي لا تزال بعض آثارها ماثلة حتى اليوم، يزورها بين فترة وأخرى الآثاريون وأقطاب رجال الكنيسة الشرقية الذين دونوا في كثير من رسائلهم أخبارا عنها وعن الدور الديني البارز الذي لعبته في السنين الخوالي عندما كانت مقراً رئيسا للمفريانية تتبعها اثني عشر ابريشة موزعة بين دجلة والفرات والموصل والمدائن..

محط أنظار الشرق والغرب
ويشير التكريتي بان هاتين القلعتين أُبتنيت الدور السكنية المختلفة الأشكال والاحجام ومن الحصى وجص (المحراق) المحلي الصنع لتتسع المدينة غربا وشمالا وجنوبا يحيط بها سور منيع يحتضن المدينة وأهلها بذراعين حانيتين لاتزال بعض معالمه باقية حتى الآن.
ويضيف: هكذا أصبحنا نتلمس الموقع المتميز للمدينة وقلعتها وسورها من الناحية العسكرية البالغة التأثير في العصور السابقة، فهي اذن جزء من أرض _(_الجزيرة) غربا وتمتد شرقاً حتى تشرف على نهر دجلة وتطل عليه من جرف حاد يصل ارتفاعه الى أربعين او خمسين ذراعا ما أكسب المدينة وأهلها ثقة بالنفس وقدرة على تحدي المواجهات أيا كانت وفي كل الظروف والأحوال، ومن هنا كانت محط أنظار وتطلعات الشرق والغرب من حكام وقادة جيوش لاتخاذها مركزا عسكريا متقدما، كما أثارت فضول التجار الوافدين من كل اتجاه للاستفادة من أهمية موقعها التجار على طريق القوافل، كما ان أهالي تكريت بدورهم تعرفوا على طبائع الشعوب، أخلاقهم وقدراتهم فتعاملوا معهم بحيوية ومرونة أكسبتهم القدرة على التفاعل مع الحياة المتجددة..

مزار الأربعين
ولم ينس التكريتي ان يترطق الى مزار الأربعين في تكريت، فقال: ما دمنا نتحدث عن التاريخ في هذه المدينة فان مزار الأربعين الواقع غرب المدينة يعتبر واحدا من المواقع الأثرية الملفت للنظر سواء من حيث قدمه او من حيث طراز بنائه، ولقد قيل فيه الكثير خصوصا من قبل المؤرخين والمتتبعين والباحثين، ولكني لا أجد أي خبر في استخلاص تلك الآراء التي تنحصر في ان هذا البناء كان موجودا قبل الفتح الاسلامي، ويرجح انه استخدم كمركز ديني للمسيحين ثم تغير الى مركز ديني للمسلمين واستغل بعد ذلك ليصبح مقرا عسكريا متقدماً من غير ان يفقد طابعه الديني، وحمل هذا البناء معه عبر الحقب بصمات الحكام الذين تعاقبوا في تحسين أبنيته وزيازته ورعايته..

قصة عبد السطيع
لم أجد في كل المصادر التاريخية التي تعرضت لها على ما يشير الى وجود مثل هذا الاسم او مثل هذه القصة التي تتردد على أكثر من لسان، سوى في البداية والنهاية لابن كثير (المجلد الثاني) الذي ورد فيه اسم سطيع الذي تنبأ قبل النبوة بميلاد الكريم محمد (ص) وأشراقة فجر الاسلام الجديد، انني استخلص من كل ما رواه السلف عن هذه القصة، ان تكريت لكثرة ما تعرضت له من اعتداءات من قبل الغزاة واصرارها على الصمود ولدت هذه القصة تخليدا لكل الشجعان الذين استبسلوا دفاعا عن الشرف والوطن والذين آثروا الموت الشريف على حياة الذل والهوان.. وملخصها:
ان شخصا اسمه عبد السطيع من أهالي تكريت يوم كانت الديانة النصرانية تشكل مركز الثقل في المدينة قبل الفتح، كان هذا الرجل الباسل يقاتل الغزاة الذين دخلوا القلعة خلسة وفي غفلة من حراسها فامتشق حسامه على عجل وامتطى حصانه واشتبك في قتال ضاري مع العدو حتى كسر سيفه وأيقن من انتصار العدو، فبادر الى نزع كوفيته وعصب بها عيني حصانه وأطلقه تحته نحو جرف القلعة فهوى معه الى النهر من ارتفاع خمسين ذراعا ليلقي حتفه مفضلا الموت على رؤية آثار الهزيمة.. هذه هي حكاية عبد السطيع، وهي قصة تثير الاعجاب سواء دونتها الكتب أم تجاهلتها.

مضايف المدينة
وقدم الباحث التكريتي وصفا لمضايف تكريت وأهم العادات والتقاليد التي مازالت قائمة الى اليوم، فقال: توجد في مدينة تكريت العديد من المضايف المتناثرة وهي مستعدة في كل الأوقات لاستقبال الضيوف وحدهم او مع دوابهم فيجدوا الطعام الوفير لهم ولدوباهم، كما يجدوا الحديث الحلو الجميل والتجربة الثرة الغنية بالحكمة مشفوعة بفناجين القهوة المرة بين لحظة وأخرى، وأكياس التبغ العامرة بكل صنف الكسكين منه والبارد، كل هذا يجري من غير أية منة او أجر، فالمضيف عادة مقتدر ولا يهمه غير السمعة الطيبة والذكر الحسن والتقرب الى الله لمساعدة الآخرين، ولايزال العديد من هذه المضايف الكثيرة في كل أجزاء المدينة وأطرافها تقوم بدورها في استقبال الضيوف المعروفين وغير المعروفين القادمين من خارج المدينة فيقدم لهم الطعام والفراش بلا مقابل، أما الرجال الذين يرتداون هذه المضايف كل يوم بعد تناول عشاءهم في دورهم، فان فناجين القهوة المرة هي وحدها حصتهم مرصعة بالاحاديث الجميلة.

هيبة الديوان وجلاسه
وعن كيفية بناء المضيف يقول التكريتي: يعني المضيف عادة قرب الباب الخارجي للدار، بعيدا عن سكن وغرف باقي أفراد العائلة وغالبا ما يكون هناك باب خاص لخروج ودخول النساء والأطفال، كما ان الجالس في المضيف يجب ان لا يسمع أي صوت لهم لأنه يتنافى مع هيبة الديوان وجلاسه، ويضيف: لقد كانت هذه الدواوين مدارس حقيقية للناس فهي خلاصة تجارب وحكم يومية لا يستغني عنها أحد، كما وان كل حديث يصغى له الجميع ويجري النقاش حوله بحرية تامة، وكل طريقة يستجيب لها الجميع، انه مسرح حر تبرز فيه الكفاءات والطاقات، فهذا يسهم بالاجابة على الأمور الدينية والفقهية، وآخر يعرف الكثير عن الأمراض والأعشاب الطبية، وذلك الرجل أدرى من غيره بالسلاح.. أنواعه وطرق استخدامه، وذاك يعرف جيدا طرق (الجزيرة) و(الحويجة) ومنازل القبائل وأصولهم وعلاقاتهم، وهنا الظريف الذي بغيابه يخلو المجلس من أية بهجة، كما ان هذه المجالس كانت تلعب دورا كبيرا في كثير من المنازعات التي تحدث في المدينة والريف، فتعالجها قبل ان تتطور نحو الأسوأ، ومن بين أشهر الدواوين في تلك الفترة التي لازالت متوارثة من قبل الأبناء والاحفاد، كمضيف بيت النقيب وبيت كميت وبيت محمد المهيدي مثلا، او التي توقفت او التي لازالت تستقبل الناس، وتقدم القهوة هي التي تعود الى الحاج عبد الكميت وولده محمد سعيد وولده عبد الرزاق، وآل النقيب وحفيدهم علي ومحمد\ المهيدي وولده شاكر وأخوه يونس ومحمد الهزاع العمر، وزيدان مخلف الخشمان وولده أحمد وعلي الحاج حسن وولديه ابراهيم وعبد العزيز والحاج محمد وابن أخيه ماهر ومحمد عرب وولده جاسم ومولود مخلص والحاج محمود الأمين والحاج يوسف الجعفري والحاج حسن الأحمد وأسعد الحاج دلي وجاسم العبطة، وجاسم الحمادي الخضير وكامل عبد الباقي وأخوه محمد صالح والحاج خليل الحاج رحيم الشقاق وهناك آخرون، كذلك توجد في كل من العوجة والبيجي والمحزم دواوين او مضايف خاصة بها وأشهرها ديوان أحمد الخطاب العمر وندا الحسين ورشيد النجم وأحمد محمود الهزاع ورشيد المحمد في العوجة.

خانات تكريت
ويقول التركيتي بأن هناك عددا من الخانات الكبيرة في تكريت لاستقبال المسافرين الغرباء مع دوابهم وأثقالهم، توفر لهم المنام والطعام ليوم او أكثر ليستريحوا قليلا قبل ان يستأنفوا السفر والترحال من جديد، كانت هذه الخانات تقدم خدماتها مقابل أجر يتفق عليه او كما يقال الآن تسعيرة محد\د لها.. ويضيف: من بين الخانات التي كانت موجودة في ذلك الوقت والتي انقرضت الآن، خان السيد ويقع وسط تكريت وخان الباشا، ويقع جنوب غربي المدينة وخان بيت مظلوم، ويقع في جنوب شرقي المدينة وخان الحاج عباس ويقع وسط تكريت أيضا وأخيرا حان عبد الحمزة ويقع وسط تكريت..

اكرم ناصر عبد الحسين
شارك :

1 comments:

  1. في عقد التسعينات من القرن الماضي كنت اعمل في مدينة تكريت وسمعت قصة من اهل تكريت جميع الكلام الذي تحدث به الاخ صحيح الا انتحار الفارس عبد السطيع الذي انتحر لانه رفض الدخول للاسلام ومات وهو يهودي نصراني وليس بسبب الغزاة وانما كانت الفتوحات الإسلامية التي فتحت البلاد تحياتي وتقديري للجميع

    ردحذف

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *